أريد أن أتزوج
محمد حبيب الله بيگ ازہری۔
قبل ما يقارب عشرين يوما كنت عاكفا على كتاب "المعلقات السبع” فإذا بالمحمول رنين يخرق أسوار الصمت، ويملأ الغرفة شغبا وضجيجا، يزعج كل من في الغرفة، ويسبب لهم الخلل والاضطراب، فتمهلت ريثما ينقطع الرنين، لكنه توالت الرنات وتتابعت الأصوات لدرجة أنها لم تدع لي خيارا سوى الفتح والمكالمة، فكان من ورائه صديق أخلص له الود وأمحض له النصح، بعد ما تبادلنا التحية واستفسرنا الأحوال أنشأ يقول:
أريد أن أذكر لك الآن قصة لم تسمع مثلها من قبل
قلت: لدي من الوظائف الدراسية ما يشغلني عن سرد القصص أو الاستماع إليها.
قال: أعرف ذلك تماما، لكن قصتي لا تضيع عليك الوقت، ولا تقطع عليك العمل، بل تبعث فيك النشاط وتزيدك رغبة في المطالعة؛ لأنها قصة تتعلق بالزواج، ومن كان في مثل سنك لا يستكره الحديث عن الزواج.
قلت: ما دام الأمر كذلك، هات ما عندك بسرعة.
فأنشأ يقول: كان لي صديقان حميمان – بشير ونذير ابنا الحاج سليمان – حسنان جميلان، وفيان كريمان، عظيمان مطاعان، مجبولان على دماثة الخلق وسذاجة الطبع، مفطوران على صادق الود وخالص الإخاء، يضرب بهما المثل في صفاء السيرة ونقاء السريرة، ويرجع إليهما في دفع الملمات وجلب الخيرات، مما تهفو إليهما القلوب، وتنقاد لهما النفوس، فأحببت أن أجعل بيني وبينهما نسبا وصهرا، مرة أشد منهما أزرا وأخرى أكون لهما ردءا، لكن الحياء ألجمني السكوت وأخرسني، فتصبرت أكثر مما أطيق، وحملت نفسي ما تطيق وما لا تطيق.
فلما تفاقم الأمر واستبد بي الحب أرقني الشوق وأضناني السهاد، ففطن أبي لما كنت أعانيه من ألوان العذاب في سبيل الحب وسألني:
من الذي استأسر قلبك؟
قلت: أخت بشير ونذير.
فقال مسليا: لا داعي للقلق ما دمت في كنف أبيك الذي لا يدخر وسعا في سبيل إسعادك، كن مطمئنا، سنفك عنك أسرك، ونضع عنك إصرك، ونحط عنك وزرك الذي أنقض ظهرك.
ثم اتصل أبي بصديقه الشيخ عادل ليفضي إليه حالي، ويبوح له بسري، فقال له: كن همزة الوصل بيني وبين الحاج سليمان، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، فأجاب عليه الشيخ عادل: يسعدني أن أمد لولدي يد المعونة وأحقق له بعض ما يتمناه.
فلا أدري كيف أطلعه الشيخ على الحقيقة؟ اتصل به تليفونيا أم تحدث إليه شفويا، فلما كان الغد اتصل بأبي الحاج سليمان، وقال: بلغتني رسالتك، متى أرد عليك الجواب، وكيف أرده؟ الآن أم بعد قليل؟ أرده هاتفيا أم شفويا؟ فقال أبي: الزواج يحتاج إلى الشورى وإلى التروي في الأمر، والعجول يتعثر، ثم يقلب كفيه حسرة على ما فرط، فلا داعي للعجل، أولا: راجع الخطيبة، ثانيا: استفت قلبك، ثالثا: استشر كل من تثق به، رابعا: قلب الأمر على كافة الأوجه، خامسا: تعرف على آراء زوجتك وأسرتك، ثم أخبرني بما استقر عليه رائك، فقال له الحاج سليمان: لست في حاجة إلى الشورى ولا إلى إطالة التفكير، لست في حاجة إلى الاستخارة ولا إلى شيء آخر؛ لأن رائي سديد لا يتطرق إليه الخطأ، وعزيمتي نافذة لا تعرف التخلف، متى تريد الجواب؟، الآن أم بعد أيام، فقال أبي: بعد ثلاثة أيام نتلاقى في بيت الشيخ عادل ظانا منه أنه يفيق إلى هدوئه، ويوافق على إسعاف مراده.
بعد ثلاثة أيام اجتمعوا في دار الشخ عادل، بعد ما هو المالوف سأله الشيخ: أما زلت مصرا على رائك القديم؟ أم هناك رأي آخر يبعث فينا المسرة، فقال والضحك ملأ شدقيه: جوابي اليوم جوابي أمس، لو كانت لي بنت لأنكحتها إياه، وأصهرته إلي، لكنه للأسف لم تنجب لي الزوجة غير الولدين. والسلام.