إنا لفراقك يا شيخنا لمحزونون
اعداد : محمد حبيب الله بيگ ازہری
استاذ بالجامعة الأشرفية مبارك فور
أكبادنا ممزقة إربا إربا، أجسادنا مقطعة شلوا شلوا، نفوسنا مملوءة حزنا، قلوبنا مفعمة أسى، مآقينا مسبلة دما، فكأن الشفاه سلبت بسمتها، وكأن الوجوه سرقت نضارتها، وكأن القلوب انخلعت من أماكنها، وكأن الأرض انهارت من تحت أقدامنا، وكأن الدنيا أظلمت في عيوننا، وكأن السعادة فارقت للأبد وحل محلها الشقاء، وكأن المسرة غادرت بلاعودة، وخلفت من بعدها حزنا لاذعا وهما قاتلا، فلم يبق لنا من الدنيا العامرة بالملذات غير الجو القاتم، والفضاء المكفهر، والهواء العقيم، واليوم العبوس القمطرير، والليل الحالك المدلهم، فأنى يهش لنا البقاء وقد فارقنا الأستاذ الكبير والعلامة الجليل الشيخ عبد المنان الأعظمي – مفتي الجامعة الأشرفية الأسبق – الذي كان رقيق الحاشية، نقي السريرة، دمث الخلق، وطيب الأردان، والذي كان قمة في العلوم الإسلامية، وذروة في الأدب والشعر، وآية في الزهد والورع، وغاية في التربية والإرشاد، ومرجعا في الفتاوى.
لاريب في أن الشيخ كان موردا عذبا يرتوي منه الطلاب العطاش،كان منهلا صافيا ينهل منه التلامذة والأساتذة على حد سواء،كان كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء،كان كمثل شجرة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها،كان كمثل شجرة تستظل بظلها الشجيرات، تتغذى بلبانها، وتقتات من جذورها، لكن الأسف كل الأسف أن العواصف الهوجاء التي هبت ليلة أمس اقتلعت الشجرة الكبيرة، المظلة المثمرة، الذاهبة إلى عنان السماء، وألقتها على الأرض خاوية لاتبدي حراكا، فمن للشجيرات التي لم تستو على ساق، لعلها تعود هشيما تذروه الرياح، فتخطفه الطير في مكان سحيق.
رحمك الله شيخنا الجليل وأستاذنا الكريم! فارقتنا للأبد، وألبست الجميع ثوب الحداد، أجدبت الأرض الخضراء، وانطفأت نجوم السماء، عادت الحدائق بلا أزاهير، والبلابل بلا ترانيم، الكل يقول: إنا لفراقك يا شيخنا لمحزونون.
خسرت الأمة الإسلامية بفقدك خسارة لا تعوض، عوضها الله عنك من يسد فراغك، سقى الله ثراك ماء المغفرة، وأمطر عليها شآبيب الرحمة، وجعل الجنة مثواك. آمين يارب العالمين.